وثبة شراع
فارقته منذ أعوام.. و آخر عهدي به..انه كان بصحته.. بعنفوان شبابه..و اندفاع عزيمته..
كان ينشط كسلي و خمولي.. بنشاطه و اقباله على الخير...
كان ينفض عني غبار التثاقل..و التباطؤ..باسراعه و اقباله على الطاعات...
لطالما اخذ بيدي..نحو عالم آخر...
لا يمل ولا يضجر منه..
لكنني في يوم ما... استبدله بآخر...
مريح.. او بمعنى اصح..كسول..
كلما اردت الاقبال على الخير..جرني إلى هاوية الغفلة.. فازددت دفناً تحت الغبار...غبار التكاسل و الغفلة..
و مرت الأيام تجر من بعدها...و نحن نيام..
و اليوم... بعد أعوام...
لمحته...
لم اتعرف إليه منذ الوهلة الأولى..
أمعنت النظر أكثر فأكثر...
لا زالت ذاكرتي المغبرة لا تسعفني...
أغمضت عيني في محاولة يائسة للتذكر..
نعم...تذكرته...انه....
لكن مالذي غيره...ماباله أصبح مصفراّ يابسا كأوراق الخريف..لو أقبلت إليه امسكه تفتت بين أصابعي لشدة جفافه...
ظهره قد اعوج..و شاب شعره...و ضعف بصره...
وكأنني قد فارته مائة عام و ليس بضعة اعوام...
اخافتني نظراته... فقد كان ينظر إلي وكأنني من ظلمه...من قتل له حبيبا..من سلبه عزه..
تقدمت نحوه بكل ما أملك من مشاعر باردة..
قلت له..كيف حالك يا فلان...
فطأطأ رأسه..لا أدري.. أحزنا.. ام تعبا..!!
و سالت على خده دمعة.. أذابت بحرارتها الصقيع الذي يعشش بين جنبي...فقد شعرت بحرارتها...
وشعرت بأن قلبي تعلق بها.. وعقدت العزم ألا اتركه حتى يبوح لي.. بما يثقل كاهله الهرم...
ألححت عليه بالسؤال... حتى أجابني بما فجّر في فؤادي الأشجان..
أتذكر يوم كذا...يوم كنا...و يوم كنا..
أتذكر همتنا...أتذكر عزيمتنا...أتذكر اقبالنا على الله...!!!
فأخذ يسترجع من الماضي صفحات كنت قد اطفأت نورها بداخلي منذ مدة...
فمازالت كلماته تخترق كل خلية فيني...
تضيئ مني كل ناحية من روحي..
شعرت بي..كبيت كبير من زجاج...رائع البنيان..لكنه مظلم موحش..فدخل إليه من أنار كل مصابيحه...فتحول إلى جوهرة وسط الظلام..
بكيت بكاءا شديدا..
بكيت شوقا إلى تلك الأيام..
بكيت خوفا مما ارتكبت من آثام..
بكيت توبةً...بكيت عودةً ..
بكيت نيةً لنفض الغبار الذي كدسته على بصري و فؤادي طويلا..
ونية في احياء ما قد مضى...
ها انا ذا..و ذاك الرفيق الذي بغفلتي و ذنوبي شاخ و هرم..
ذاك كان ايماني...
من توقفت معه عند محطة منذ مدة طويلة...و تركته و ذهبت.. فظل ينتظر حتى ملّ الانتظار..
فعاد الي في هذه الأيام المباركة...
لعل رحمة الله... تعيدنا للقاء...
فكان اللقاء...
عاهدته على العودة بعزيمة جديدة...
و اقبال شديد..
وصحبة طيبة...
لعل الشباب يعود له...
فيشب بشبابه قلبي...
فأحيا بهذا النور ما دمت حيا..
فأمامي ظلمة شديدة..
لا يملك تبديدها الا ايماني...
فانظر اخي الكريم لايمانك...
ولا تتركه يهرم..
فتلقى في ظلمة اولها قبر ضيق...و آخرها جهنم المظلمة..
وتسلح بهذا الصاحب الغالي...
فما هي الا ايام..
و يقبل عليك من يغرك و يفتنك و يخدعك بما عنده من شهوات و لهو..
تحصن منه بالدعاء..
و ردد في نفسك دوما..
"يا مقلّب القلوب..ثبّت قلبي على دينك "