قام محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه - يعرض دعوته على الناس ويخبرهم أنه رسول الله اليهم جميعا ولما سألوه أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدق دعوته وتبرهن على صحة رسالته أجابهم بما أخبره به الله تعالى وأبان لهم أن معجزته الواضحة وآيته الساطعة ودليله الصادق الذي يقوم مقام معجزات من سبقه من الانبياء هو ما يتلوه عليهم من قرآن.(وقالو لولا أنزل عليه أيات من ربه قل انما الآيات عند الله وانما انا نذير مبين . أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) ويتجلى دليل الاعجاز بالمظاهر التالية :
1- تحدي المشركين العرب أن يعارضوه :
لما طلب هؤلاء المعجزة وجاءهم ذاك الجواب من رب العزة لم يذعنو للحق الذي عرفوه ( وقالو أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ).
ولم يكتفوا بذلك بل مالو الى العناد والمكابرة غافلين عن العاقبة التي ستكشف حالهم وقالو ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ان هذا الا أساطير الأولين )
وهنا حان الوقت لتحطيم هذا العناد وكشف هذه المواربة وأخذ القرآن يتحداهم بنفس دعواهم ( أم يقولون تقوله بل لايؤمنون فليأتوا بحديث مثله ان كانو صادقين )
فوجم هؤلاء أمام التحدي الصارم الذي لم يتوقعوه وسقط في أيديهم .
ثم أخذ القرآن يبكت عليهم دعواهم وينوع لهم في أشكال من التحدي يقرعهم تارة ويحمسهم أخرى ويبالغ في تحديهم واثبات عجزهم فيتدرج من التحدي بالاتيان بمثل القرأن الى التحدي بعشر سور مثله (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم يستجيبو لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا اله الا هو فهل انتم مسلمون )
ثم يتدرج فيتحداهم أن يأتو بسورة واحدة مثله ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين )
كل ذلك مع السماح لهم أن يستعينوا بمن شاؤوا وأرادوا ممن يتصورون لديهم العون ويتوقعون منهم النصرة.
ثم يصل التحدي غايته ويبلغ منتهاه ليدفعهم بالحقيقة التي لامرية فيها ويقطع عليهم الطريق ويسد في وجههم السبل فيسجل عليهم العجز ولو اجتمع لذلك الجن والانس (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )
بل يصل الأمرالى صراحة في التحدي لا يمكن أن يجرؤ عليها بشر ذو عقل - لو كان هو الذي يقول ذلك - فينفي عنهم القدرةعلى سبيل التأييد ( فان لم تفعلوا ولن تفعلو فاتقو النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين )